الأحد، 7 أغسطس 2011

مطوية إني صائم - للشيخ الدكتور محمد العريفي - قراءة أو تحميل PDF مباشر



مطوية إني صائم

 نبذة :
اعزم على قيام رمضان كله وحقق ذلك.. اعزم على ترك التدخين وحقق ذلك.. اعزم على تطهير عينك وأذنك من الحرام وحقق ذلك.. نعم .. رمضان.. فرصة للصادقين في التغيير.. ووقت لن تجد أفضل منه للإصلاح .

رابط تحميل مباشر للمطوية PDF :
أو

نص المطوية :

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده:

قال المعلى بن الفضيل: "كان السَّلف يدعون الله ستَّة أشهر أن يبلغهم رمضان!"
وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهمَّ سلِّمني إلى رمضان.. وسلِّم لي رمضان.. وتسلَّمه منِّي متقبلًا.." فكان رمضان يدخل عليهم.. وهم ينتظرونه.

ورمضان يستحق منَّا هذا ولا عجب ..
فهو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185].
وهو شهرُ تكفيرٍ للذُّنوب.. وفيه تُفتح الجنان.. وتُغلق النِّيران.. ويُسلسل الشَّيطان.. ومن صامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه..

ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه.. وفيه ليلة القدر.. وهي خيرٌ من ألف شهر.. ولله في كلِّ ليلةٍ من لياليه عتقاء من النَّار..

فالصَّوم عبادة السَّادات .. وسيِّد العبادات..

وهو العبادة الوحيدة الّتي خصَّها الله -تعالى- لنفسه..
كما في الصَّحيحين قال -صلّى الله عليه وسلّم-: «كلّ عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -عزَّ وجلَّ-: إلا الصَّوم فإنَّه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصَّائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربِّه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك» [رواه مسلم 1151].

والصَّوم عبادة الصَّابرين.. قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمر: 10].
والصَّوم كفارةٌ للخطيئات.. قال -صلّى الله عليه وسلّم- كما في الصَّحيحين: «فتنة الرَّجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصِّيام والصَّلاة والصَّدقة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر» [رواه مسلم 144].

ويكفي الصَّائم تشريف الله -تعالى- بالصَّلاة عليه.. وتصلِّي عليه الملائكة المقربون.. صحَّ عن ابن حبان وغيره.. أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «إن الله وملائكته يصلُّون على المتسحرين» [رواه الألباني 1066 في صحيح التَّرغيب وقال: حسن صحيح].

والصَّوم جُنَّة من النَّار.. كما صحَّ عن النِّسائي أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «من صام يومًا في سبيل الله -عزَّ وجلَّ-؛ باعد الله منه جهنَّم مسيرة مائة عامٍ» [رواه النِّسائي 2253 وحسَّنه الألباني].. وصحَّ عند التِّرمذي أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «من صام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النَّار خندقًا كما بين السَّماء والأرض» [رواه التِّرمذي 1624 وقال الألباني: حسن صحيح].

ويدخل الصَّائمون يوم القيامة إلى الجنَّة من باب الرَّيان.. وهو باب لا يدخل منه إلا الصَّائمون.. فإذا دخل آخرهم أغلق.. ومن دخل منه شرب.. ومن شرب لم يظمأ أبدًا..
والصَّوم سبيل إلى الجنَّات، صحَّ في مسند أحمد أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «من ختم له بصيامٍ يوم دخل الجنَّة» [صحَّحه الألباني 6224 في صحيح الجامع].
لأجل هذه الفضائل.. لا يزال الصَّوم عند الصَّالحين له مكانةٌ شامخةٌ.
روى النِّسائي أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- وقع بينه وبين أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- شيءٌ.. فطلها تطليقةً.
فأتاه جبريل فقال: «راجع حفصة، فإنَّها صوامةٌ قوامةٌ، و إنَّها زوجتك في الجنَّة» [حسَّنه الألباني 4351 في صحيح الجامع].. فراجعها -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

وفي مسند أحمد.. عن أبي إمامة -رضي الله عنه-.. أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنشأ غزوةً يومًا.. فأقبل أبو أمامة فقال: يا رسول الله.. أدع الله لي بالشَّهادة أدخل به الجنَّة؟ فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «اللهمَّ! سلمهم وغنمهم».. قال أبو أمامة: فسلمنا وغنمنا.. قال: ثم أنشأ غزوًا ثانيًا.. فأتيته فقلت: ادع الله لي بالشَّهادة.. فقال: «اللهمَّ سلمهم وغنمهم».. قال: فلسمنا وغنمنا..
قال: ثمَّ أنشأ غزوًا ثالثًا.. فأتيته فقلت: إنّي أتيك مرَّتين قبل مرَّتي هذه.. فسألتك أن تدعو الله لي بالشَّهادة.. فقلت: اللهمَّ سلمهم وغنمهم.. فلسمنا وغنمنا.. يا رسول الله.. مرني بعملٍ .. فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «عليك بالصَّوم؛ فإنَّه لا مثل له»
[صحَّحه الألباني 769 في صحيح الموارد].. فسمع أبو أمامة هذه الوصية .. فما رئي بعدها هو ولا امرأته ولا خادمه إلا صيامًا.
فكان النَّاس لا يرون في دراهم دخانًا بالنِّهار أبدًا.. فإذا رئي في دارهم دخان بالنَّهار.. عُرف أنَّه نزل بهم ضيفٌ.

وكان إبراهيم بن هانئ.. يكثر الصِّيام .. حتى كبرت سنه.. فحضرته الوفاة بعد العصر.. فجفَّ ريقه.. ويبس لسانه.. فقال: أنا عطشان.. فجاءه ولده بماءٍ..فلمَّا قربه إلى فيه.. أغلق شفتيه، وقال: أغابت الشَّمس؟ قال ولده: لا.. فدفع الإناء عن فمه.. وأبى أن يفطر.. فجلس ولده ينتظر المغرب والإناء بيده فسكت الشَّيخ قليلًا... ثمَّ قرأ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصَّافَّات: 61] ثمَّ تشهد ومات..

أمَّا المرأة الصَّالحة.. من البيت الطَّاهر.. نفيسةُ بنتُ الحسن.. فكانت تكثر من الصِّيام. حتَّى كبرت سنها.. ورقَّ عظمها.. واقتربت منيّتها.. فلمَّا نزل بها مرض الموت كانت صائمةً.. فاشتد عليها النَّزع.. فأكثر عليها أبناءها يطلبون منها أن تفطر.. فنظرت إليهم... وقد تقلصت شفتاها.. وثقل لسانها.. وقالت لهم: واعجباه!! أنا منذ ثلاثين سنة أسأل الله ربِّي أن ألقاه وأنا صائمةٌ أأفطر لما حان اللقاء؟! هذا لا يكون.. ثمَّ أخذت تتلو القرآن فلما بلغت قوله -تعالى-: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12].. فاضت روحها إلى باركها..
كانوا يعرفون الحكمة من الصِّيام.. فلماذا أمرك الله الصِّيام؟

هل الغاية هي أن نجوع ونعطش؟

اسمع الجواب.. قال الله..: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].. لعلكم ماذا؟ تجوعون! تعطشون! تتعبون!!
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. نعم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. والتَّقوى خشيةٌ مستمرةٌ..

إذًا الصِّيام لا يتعامل مع الفم.. ولا مع البطن.. ولا مع اليدين والرِّجلين.. وإنَّما يتعامل مع القلب.. فإذا صمت.. فتأثر بطنك فجاع..

وتأثر فمك فيبس.. وتأثر جسمك فضعف..
ولم يتأثر قلبك.. فلم يخشع.. ولم يرقَّ.. ولم ينكسر.. فما حققت الغاية من الصِّيام..

عددٌ من الصَّائمين... ظنُّوا أنَّ المقصود هو الإمساك عن الطَّعام والشَّراب!
فأمسكوا عن الحلال.. لكنَّهم خرقوا صومهم بالحرام..
فأيُّ تأثير للصِّيام في ذاك الّذي يدعو عن إفطاره. فيقول: ذهب الظَّمأ وابتلت العروق وثبت الأجر... ثمَّ يشعل سيجارته!

أيُّ معنى للذي يفرح بطعام الإفطار.. ولعله ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش..

أيُّ تقوى يرجوها.. من يصوم بطنه عن الطَّعام.. ولا تصوم عينه عن النَّظر الحرام.. ولا سمعه عن السَّماع الحرام... ولا يصوم لسانه عن الآثام..

إذا أردت أن تحقق التَّقوى في الصِّيام.. فلصم قلبك وجوارحك..
فالقلب يصوم عن الحقد والضَّغينة..
والعين تصوم عن النَّظر الحرام.. تعظيمًا للملك العلَّام..
والأذن تصوم عن الخنا.. واستماع الغنا..
واللسان يصوم عن الفحشاء.. والكلمة الشَّنعاء..
واليد تصوم عن أذيَّة العباد.. ومزاولة الفساد..
والرِّجل تصوم عن المشي إلى المحرم.. فلا تسير إلى إثمٍ ولا تتقدَّم..
الصَّوم يُربيك على هذا.. يُربيك على البطولة والإرادة.. يكبح جماح الشَّهوة..
ليكن دخول رمضان بداية تحوِّلٍ في حياتك..

رمضان يقوي فيك الإرادة.. فأنت بإرادتك تركت الطَّعام.. وامتنعت عن الشَّراب..
لم يقيدك أحدٌ بحبالٍ.. ولم يقف على رأسك رقيبٌ..
إذاً اعزم على ختم القرآن مرارًا في رمضان.. وحقِّق ذلك..
اعزم على قيام رمضان كلِّه.. وحقِّق ذلك..
اعزم على ترك التَّدخين.. وحقِّق ذلك..
اعزم على تطهير عينك وأذنك من الحرام.. وحقِّق ذلك..

نعم.. رمضان.. فرصةٌ للصَّادقين في التَّغيير.. ووقت لن تجد أفضل منه للإصلاح..
رمضان يعلمنا أنَّ في نفوسنا قوَّةٌ لا تقف في وجهها الصِّعاب..
يا قوم... !! أكثر النَّاس عنده إرادةٌ لكنه لا يفعلها..

انظر لأحوال النَّاس بين شعبان ورمضان.. كيف يتغير المجتمع كلُّه..
تكتظ المساجد بالمصلِّين.. وتجود أيدي المتصدقين.
ويتنافس القُراء والصّوام.. والعُباد والقوَّام.. أبطال استطاعوا أن ينتصروا على الشَّيطان..
أهذه النُّفوس عاجزة عن الإصلاح والتَّغيير لو صدقت...!

كم من شابٍّ وفتاةٍ.. يعلم أنَّ برنامج حياته يحتاج إلى تعديلٍ.. إلى متى تستمر العلاقات المحرَّمة.. والنَّوم عنِ الصَّلوات؟!

إلى متى يتحكم في الآخرون.. من أصدقاءٍ.. وعشاقٍ .. وأرباب شهواتٍ؟! إلى متى يسوفون؟ لماذا لا يكونون أبطالًا ويدركون لماذا خلقوا؟

ماذا يريد منهم رّبهم؟ لماذا أوجدهم في الدُّنيا؟

كم من النَّاس اليوم كذلك يضيِّعون الفرص..
تمرُّ به فرص الخير.. وقوافل الرَّحمات فلا يرحل معها..
يدخل عليه رمضان ويخرج وهو لم يتغير..
صلاته قبل رمضان.. هي صلاته بعد رمضان..
لسانه قبل رمضان هو لسانه بعد رمضان..
ألفاظه هي ألفاظه.. نظراته هي نظراته.
معاشر الصَّائمين والصَّائمات..

ما أجمل أن يكون عندنا من الجرأة ما نطأ به على أنف الشَّيطان ونزيل ما في قوبل الآخرين من أحقادٍ علينا..

نزيل ذلك بالتَّبسم والتَّلطف.. وخيرهما الّذي يبدأ بالسَّلام.. أو نزيله بالهدية المناسبة.. و«تهادوا تحابوا» [حسَّنه الألباني 462 في صحيح الأدب المفرد]..

أو نزيل بالنِّيَّة الصَّادقة والمصارحة.. عبر المقابلة الصَّريحة.. أو الرِّسالة المكتوبة..

سافر المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- إلى الشَّام.. فوفد على معاوية -رضي الله عنه- .. فسأله بعض الحاجات فقضاها معاوية..
وكان معاوية يبلغه أنَّ المسور يعيب عليه وعلى عدد من الولاة أشياء.. وربما تكلم بها عند خاصَّته..
فلمَّا خفَّ النَّاس.. خلا معاوية بالمسور..
ثمَّ قال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمَّة؟
فقال المسور: دعنا من هذا.. وأحسن..
فأصر معاوية عليه وقال: لا والله.. لتكلمني بذات نفسك بالّذي تعيب عليّ..
فتكلم المسور.. فلم يترك شيئًا يعيبه عليه إلا بيَّنه له.
فقال معاوية: لا أبرأ من الذَّنب..
فهل تعد لنا يا مسور ما نلي من الإصلاح في أمر العامَّة..؟ فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها.. أم تعد الذُّنوب.. وتترك الإحسان؟
قال مسور: ما تُذكر إلا الذُّنوب..
قال معاوية: فإنَّا نعترف الله بكلِّ ذنبٍ أذنبناه..
فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم تغفر؟
قال: نعم..
قال: فما يجعلك لله برجاء المغفرة أحقُّ منِّي..
فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر ممَّا تلي..
ولكن والله لا أخير بين أمرين: بين الله وبين غيره. إلا اخترت الله على ما سواه..
وإني لعلى دينٍ يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات.. ويجزى فيه بالذُّنوب إلا أن يعفو الله عنها..

فسكت المسور قليلًا ثمَّ قال: خصمتني.. ودعا له..
ثمَّ خرج مسور من عنده.. فلم يسمع بعدها بذكر معاوية إلا صلّى عليه..

فما أجمل أن يكون عندنا جرأة معاوية في مداواة النُّفوس..
وفي هذا الشَّهر الكريم.. تقبل على الله فلماذا لا نصطادها بسنارات الإيمان؟!
وقد روى مسلم أنَّه -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النّعم» [متفقٌ عليه]..

حدثني بعض المشايخ في مدينة جازان.. عن الشِّيخ الدَّاعية عبد الله القرعاوي -رحمه الله- أنَّه كان لا يفوت فرصةً في تعليم النَّاس ودعوتهم إلى الله -تعالى-.. مرَّ يومًا ببئرٍ يصطف عنده رعاة الغنم؛ ليملئوا قربهم بالماء...
ورأى أنَّ الرَّاعي يظل واقفًا زمنًا ينتظر وصول دوره..
فبنى مظلةً صغيرةً بجانب البئر.. وصار يجلس فيها وقت مجئ الرُّعاة.. ويجعل بين يديه طبقًا فيه تمر.. فإذا رأى راعيًا واقفًا ناداه قائلًا: تعالى.. كُل تمرًا.. واحفظ سورة الفاتحة..
فيوقف الرَّاعي حماره في الصَّفِّ.. ويجلس بين يدي الشَّيخ.. فيناوله التَّمر ويكرر عليه السُّورة.. فلا يصل دوره إلا وقد حفظها...
فحفظ الفاتحة بهذه الطَّريقة مئات النَّاس..
وربما كانت هداية شخص أو انصرافه عن معصيةٍ.. بكلمةٍ عابرةٍ..

دُعيت ليلةً من رمضان للقاء مباشر بإحدى القنوات..
كان تصوير اللقاء بمكة بفندقٍ مطلٌ على الحرم.. فالمشاهدون يرون المعتمرين والطَّائفين خلفنا على الهواء مباشرةً..
كان المنظر مهيبًا.. حتَّى إن مقدم البرنامج رقَّ قلبه وبكى أثناء الحلقة..
انتهى اللقاء.. فجاءني المصور -وبيده سيجارة- شاكرًا.. فشددت يده وقلت: وأنا أشكرك ولي كلمة.. قال: تفضل.. قلت: الدُّخان والسّجار.. فقاطعني: لا تنصحني.. والله ما فيه فائدة يا شيخ.
قلت: طيب اسمع مني.. فقاطعني: يا شيخ لا تضع وقتك.. أنا من (40) سنة مدخن.. الدُّخان يجري في عروقي ما فيه فاااائدة.. كان غيرك أشطر!!
فأمسكت يده وقلت: تعال معي ننظر للكعبة..
فوقفنا عند النَّافذة المطلَّة على الحرم.. فإذا كلّ شبرٍ ملئٌ براكعٍ وساجدٍ.. ومعتمرٍ وباكٍ.. كان المنظر مؤثرًا..
قلت: هل ترى هؤلاء؟ قال: نعم..
قلت: جاؤوا من كلِّ مكانٍ.. بيضًا وسودًا.. عربًا وأعاجم.. أغنياء وفقراء.. كلُّهم يدعون الله أن يتقبل منهم ويغفر لهم..
قال : صحيح..
قلت أفلا تتمني أن يعطيك الله ما يعطيهم؟ قال: بلى..
قلت: ارفع يدك.. وسأدعو لك..
رفعت يدي وقلت: اللهمَّ اغفر له.
قال: آمين .. قلت: اللهمَّ ارفع درجته.. اللهمَّ..
ولازالت أدعو حتَّى رقَّ قلبه وبكى. وأخذ يردد: آمين.. آمين.
فلمَّا أردت أن أختم الدُّعاء.. قلت: اللهمَّ إن ترك التَّدخين فاستجب هذا الدُّعاء وإن لم يتركه فحرمه منه..
انفجر الرُّجل باكيًا.. وغطى وجهه بيديه وخرج من الغرفة.. مضت مدَّةٌ.. فدعيت للقناة للقاء..
فلمَّا دخلت المبنى فإذا برجلٍ يقبل علي.. ويسلم بحرارةٍ.. وهو متأثر جدًّا..
فقلت: شكر الله لطفك.. لكن من أنت؟
فقال: هل تذكر المصور الّذي نصحته قبل سنتين ليترك التَّدخين؟!
قلت: نعم.. قال: أنا هو.. والله يا شيخ إنِّي لم أضع سيجارة في فمي منذ تلك اللحظة..

وختامًا.. أيُّها الإخوة والأخوات..
أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه.. إيمانًا واحتسابًا..


كتبه الفقير لعفو ربِّه القدير
د/ محمَّد بن عبد الرَّحمن العريفي 


free counters

0 التعليقات:

إرسال تعليق